المادة    
‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد تناولنا فيما مضى المذاهب والأقوال في الإيمان، كما كان التفصيل في مذهب الحنفية، وما حدث فيه من تطور، وكذلك الأشعرية الذين أصبح مذهبهما مذهباً واحداً في الإيمان.
والآن نكمل إن شاء الله تعالى ما ألزم به الشارح رحمه الله هؤلاء الذين تبنوا مذهب جهم أو قريباً منه، وما بعد ذلك أيضاً. وقد سبق أن تحدثنا عن هذا، لكن لما قال الإخوة: يحتاج إلى تفصيل وضبط أكثر، سنعيد من الجهم فصاعداً، نعم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وذهب الجهم بن صفوان و أبو الحسين الصالحي أحد رؤساء القدرية إلى أن الإيمان: هو المعرفة بالقلب! وهذا القول أظهر فساداً مما قبله؛ فإن لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين، فإنهم عرفوا صدق موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ولم يؤمنوا بهما، ولهذا قال موسى لفرعون: (( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ ))[الإسراء:102]، وقال تعالى: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ))[النمل:14]، وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم، ولم يكونوا مؤمنين به، بل كافرين به، معادين له، وكذلك أبو طالب عنده يكون مؤمناً فإنه قال:
ولقد علمت بأن دين محمد            من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة أو حذار مسبة            لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً
بل إبليس يكون عند الجهم مؤمناً كامل الإيمان! فإنه لم يجهل ربه، بل هو عارف به، (( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ))[الحجر:36]، (( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ))[الحجر:39]، (( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ))[ص:82]. والكفر عند الجهم : هو الجهل بالرب تعالى، ولا أحد أجهل منه بربه! فإنه جعله الوجود المطلق، وسلب عنه جميع صفاته، ولا جهل أكبر من هذا، فيكون كافراً بشهادته على نفسه.
وبين هذه المذاهب مذاهب أخر، بتفاصيل وقيود أعرضت عن ذكرها اختصاراً، ذكر هذه المذاهب أبو المعين النسفي في تبصرة الأدلة وغيره). ‏
  1. كفر فرعون وقومه بنبوة موسى وأخيه رغم معرفتهما بصدقهما

  2. كفر أهل الكتاب بالنبي عليه الصلاة والسلام مع معرفتهم بصدقه

  3. كفر أبي طالب رغم اعتقاده صدق النبي عليه الصلاة والسلام

  4. كفر إبليس رغم عدم إنكاره وجود الله تعالى